أعلنت "إسرائيل" أنها ستبني ألف وحدة استيطانية في القدس المحتلة، وقال مدير مرصد "تراستريال جيروزاليم"، الأسبوع الماضي، إنه تم توقيع عقود لبناء 300 وحدة استيطانية في مستوطنة "راموت" و797 في مستوطنة "جيلو"، وتقع هاتان المستوطنتان في القدس. وفي تقرير بالغ الأهمية لـ "المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة" (الإيسيسكو)، كانت هناك إشارة واضحة لما يحدث من ربط بين الآثار وحركات الاستيطان من خلال محاور الحفريات "الإسرائيلية" في القدس، أولها محور المسجد الشريف والمنطقة المحيطة به، وعلى مساحة واسعة نتيجة تدمير حارة المغاربة.
وحفريات القدس تتوازى مع التمدد الاستيطاني ومحاولات السيطرة على العقارات في البلدة القديمة، وخاصة في منطقة الخليل. وبالنسبة للحفريات داخل البلدة القديمة فهي ترتكز في تلة باب المغاربة وتهدف إلى إزالة معوقات الآثار أمام إدارة حائط المبكى لتوسيع الساحة التي تقع أمام حائط البراق، وهي أكثر الحفريات تأثيراً في الهوية الثقافية العربية للقدس، ورغم أن البلدة القديمة توجد على لائحة التراث العالمي للمواقع التاريخية التي يصبح بموجبها ممنوعاً منعاً باتاً البناء فيها بالأشكال كافة .
وقد ناشد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي السابق إحسان أوغلي الدول الإسلامية الأعضاء بالمنظمة إلى عقد مؤتمر مانحين خاص بمدينة القدس الشريف؛، على أساس الخطة الاستراتيجية لتنمية القطاعات الحيوية، من خلال تشكيل شبكة أمان مالية إسلامية لتعزيز الوجود العربي الفلسطيني في مدينة القدس.
وكانت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث أيضاً قد حذّرت من ممارسات الاحتلال المتصاعدة بحق المسجد الأقصى المبارك، والتي يحاول المحتل "الإسرائيلي" من خلالها فرض أمر واقع، داعية الأمة الإسلامية إلى أخذ زمام المبادرة وتحمل مسؤوليتها تجاه أولى القبلتين في الدفاع والحفاظ على حرمة الأقصى.
ومع كل يوم يمر تقترب "إسرائيل" من تحقيق حلمها التوراتي المتمثل بهدم المسجد الأقصى، وإقامة ما يسمى هيكل سليمان مكانه.
وطبعاً لن تقوم "إسرائيل" بقصفه بالقنابل الذكية، بل تعمل على تحقيق هذا الهدف بخبث ومكر؛ عن طريق حفر الأنفاق، وتفريغ الأرض تحت المسجد حتى يسقط من تلقاء نفسه. وعند ذلك تمنع الفلسطينيين من بنائه من جديد، وتقوم هي ببناء الهيكل المزعوم مكانه.
وهذا المشروع "الإسرائيلي" ليس سراً، بل مازال الفلسطينيون المهتمون بشؤون الأقصى يحذرون منه ليلاً ونهاراً، وسط سمع وبصر العرب والمسلمين، المشغولين بهموهم الداخلية، متناسين قولتهم الشهيرة (إن القدس-وليس فلسطين- هي قضية العرب الأولى). لقد كان حرياً بمؤتمرات التعاون الإسلامي أن تتخذ قرارات قوية بشأن الانتهاكات "الإسرائيلية" المتكررة في القدس والأقصى الشريف، هذه الانتهاكات المتكررة لم تُقابل حتى بالشجب أو التنديد، لا على المستوى العربي والإسلامي، ناهيك عن المستوى الأممي.
لقد نسي المسلمون-أو تناسوا- أن قمة التعاون الإسلامي قد أُنشئت عام 1969 خِصّيصاً للذود عن حياض الأقصى الشريف والقدس وفلسطين، فإذا لم تكن مؤتمرات منظمة التعاون الإسلامي مهتمة بشأن هذه المقدسات، فمن إذاً سيهتم بها؟ هل ستقوم دول الغرب- الحليف القوي- التي تدعم "إسرائيل" قولاً وفعلاً بمنعها من تدمير المسجد الأقصى؟
ليت الأمر اقتصر على هذا- غياب الدعم العربي والإسلامي- لعددناه هيّناً-وهو غير ذلك-؛ بل إن أًصحاب القضية -الشعب الفلسطيني- قد تفرقوا أيدي سبأ، ومن الصعب -وأتمنى ألا يحدث- أن يجمعهم جامع. فكل فريق منهم منشغل بكيل التهم الفارغة إلى الفريق الآخر، فالشعب ممزق بين حكومة غزة وحكومة الضفة، والحكومتان ليس لهما من السلطة إلا الاسم؛ أما الحقيقة فهي أن "إسرائيل" تمسك بزمام الشعب كله، المحتل والمحاصر. ففي الضفة الغربية هناك احتلال "إسرائيلي" مباشر وقطاع غزة محاصر من "إسرائيل" المحيطة به أيضاً، فإذا قطعت عنه الكهرباء أظلم، وإذا قطعت عنه الوقود تعطلت الحركة فيه. وأما المنظمات الفلسطينية الأخرى في الشتات فهي لا تملك من أمرها شيئاً، ولا تستطيع سوى الكلام من بعيد.
وبين ذهول المسلمين وضياع العرب وتشتت الفلسطينيين، تضيع القدس التي لم يكن فيها صهيوني واحد قبل عام 1967، أما اليوم فإن أكثر من ستين في المئة من سكانها يهود، أما الفلسطينيون فهم أقل من تسعة وثلاثين في المئة، واليهود في تزايد مستمر، والهجرات مازالت متوالية، والفلسطينيون في تناقص مستمر بسبب التضييق عليهم، ومنعهم من بناء المنازل، أو تجديد بناء ما تهدم منها.
إن مما يزيد القلب حزناً وألماً أن الأمة العربية اليوم باتت مشغولة بتكفير بعضها بعضاً، وقتال بعضها بعضاً، فقد انقسمت فرقاً وأحزاباً وجماعات؛ سنة وشيعة، أكراداً وعرباً وأمازيغَ، إسلاميين وعلمانيين، ويساريين وقوميين. حتى داخل التيار الواحد؛ هناك اتجاهات، فتيار الإسلام السياسي منهم سلفيون وإخوان، ووسطيون. وهكذا قُسم المُقسّم، وتشتت المشُتت. بينما اليهود -أغلبهم للإنصاف- مشغولون بأرض الميعاد، ويبذلون الغالي والنفيس من أجل خدمة دولة "إسرائيل" أيا كان موقعهم، ومهما كانت مشاغلهم.
أما المسلمون فقد نسوا أن لهم قضية هي فلسطين، ونسوا أن لهم قبلة أولى هي المسجد الأقصى، ومشوا خلف قوى الظلام العالمية التي لا يهمها من كل البشر سوى الصهيونية، ولا يهمها إن بقِيَ المسجد الأقصى، أم لم يبقَ، أو ظلت القدس العربية أم تغيرت معالمها.
إن أمة الإسلام أصبحت اليوم على شفير الهاوية، ونجاتها بيدها عن طريق الأخذ بسبل الحكمة والعقل، وتغليب الحق على الباطل، والسعي بكل قوة لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، ونصرة الأقصى.
فهل يترك المسلمون الأقصى لمصيره؟ أم أن خير هذه الأمة لم يزل فيها، وأن اشتداد الظلمة دليل على قرب انبلاج الفجر؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخليج الإماراتية