بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموت الحقيقي،
هو ان تموت وانت ما زلت حياً ترزق،ليس بالضرورة أن تلفظ أنفاسك او تغمض عينيك ويتوقف قلبك عن النبض،ويتوقف جسدك عن الحركة كي يقال،انك فارقت الحياة،فبيننا الكثير من الموتى
يتحركون يتحدثون يأكلون يشربون يضحكون لكنهم موتى،يمارسون الحياة بلا حياة،
فمفاهيم الموت لدى الناس تختلف،فهناك من يشعر بالموت حين يفقد إنساناً عزيزا،ويخيل إليه إن
الحياة قد انتهت،وان ذلك العزيز حين رحل أغلق أبواب الحياة خلفه،وان دوره في الحياة بعده قد انتهى،وهناك من يشعر بالموت حين يحاصره الفشل من كل الجهات ويكبله إحساسه بالإحباط عن
التقدم،فيخيل إليه إن صلاحيته في الحياة قد انتهت،وانه لم يعد فوق الأرض ما يستحق البقاء من اجله،والبعض تتوقف الحياة في عينيه في لحظات الحزن،ويظن انه لا نهاية لهذا الحزن،وانه ليس
فوق الأرض من هو أتعس منه،فيقسو على نفسه حين يحكم عليها بالموت بلا تردد،وينزع الحياة من قلبه،ويعيش بين الآخرين كالميت تماماً،فلم يعد المعنى الوحيد للموت،هو الرحيل عن هذه
الحياة فهناك من يمارس الموت بطرق مختلفة ويعيش كل تفاصيل وتضاريس الموت وهو ما زال على قيد الحياة،
فالكثير منا،يتمنى الموت قي لحظات الانكسار ظناً منه إن الموت هو الحل الوحيد والنهاية السعيدة لسلسلة العذاب،لكن،هل سأل احدنا نفسه يوماً،ترى،ماذا بعد
الموت،نعم،ماذا بعد الموت، حفرة ضيقة وظلمة دامسة وغربة موحشة وسؤال،وعقاب وعذاب،وإما جنه،أو نار،فهم كانوا هنا ثم رحلوا،غابوا ولهم أسبابهم في الغياب،لكن الحياة خلفهم
ما زالت مستمرة،فالشمس ما زالت تشرق والأيام ما زالت تتوالى والزمن لم يتوقف بعد،ونحن ما زلنا هنا،ما زال في الجسد دم وفي القلب نبض،وفي العمر بقية،فلماذا نعيش بلا حياة ونموت،بلا موت،
إذا توقفت الحياة بأعيننا،فيجب أن لا تتوقف في قلوبنا،فالموت الحقيقي،هو موت القلوب،قال ابن القيم رحمه الله،أطلب قلبك في ثلاث مواضع،عند سماع القرآن،وفي مجالس الذكر،وفي الخلوات، فإن (لم تجده فاسأل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك )
يا الله،ألا تهزنا هذه المعاني،أوما تقلقنا تلك الحروف،فكم ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً،ظلمناها بالذنوب والآثام،وجنينا عليها بالمعاصي العظام،نغفل عن الذكر،ونأخر الصلاة،ونعصي الله،ونتناسى الأوامر،ما أحلم الله عنا،وما أصبره علينا،يأمرنا فنعصاه،وينهانا
فنهمله،ويتودد إلينا بالنعم فنكفرها بالذنوب والهجران،ومع كل ذلك ينادينا بصوت العطف والشفقة،والحلم والرحمة(من تقرب إليّ شبراً،تقربت منه ذراعاً،ومن تقرب إليّ ذراعاً،تقربت منه باعاً،ومن أتاني يمشي،أتيته هرولة)من أنت أيها العبد الذليل،حتى يتقرب إليك رب
الأرباب،ويتودد إليك مالك الملك والملكوت،ويناديك العظيم بعظمته(من أتاني بقراب الأرض خطايا،ثم أتاني لا يشرك بي شيئاً غفرت له ولا أبالي)يا الله ما أحلمك،يا الله ما أكرمك،أما آن لك أن تعود قبل أن يُحال بينك وبين العودة،أما اشتقت إلى الأنس بربك الذي أخبر كل الدنيا
بحبك،أما تاقت نفسك لبلوغ مرتبة(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه)فتفوز بحب الله وقربه والأنس به،الحب ليس بالقول فقط،بل قول وعمل،وشوق ووجل،واتباع لا ابتداع،فاغتنم كل فرصة من حياتك،قبل ان يباغتك الأجل،فتُمنع العمل،ولا ينفع حينها ندم ولا بكاء ولا عويل،
اللهم يا رب السموات والأرض،يا ملك الملك،يا أرحم الراحمين،ارحم ضعفنا،وتولّ أمرنا،واغفر ذنوبنا،ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ولا اكثر،
فارحمني،ويسر منك لي فرجاً قريباً،انا المضطر ارجو منك عفــواً
ومن يرجو رضاك فلن يخيب،
آمين يارب.