ذكر الله وفوائده
وقوله صلى الله عليه و سلم [ وأمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله ] فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى وأن لا يزال لهجا بذكره فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة فهو يرصده فإذا غفل وثب عليه وافترسه
وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله تعالى وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع وكالذباب ولهذا سمي الوسواس الخناس أي يوسوس في الصدور فإذا ذكر الله تعالى خنس أي كف وأنقبض قال ابن عباس : الشيطان جاثم على قلب أبن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله تعالى خنس وفي مسند الأمام أحمد عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن زياد أبن أبي زياد مولى عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ ما عمل آدمي عملا قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز و جل ] وقال معاذ : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال ذكر الله عز و جل ] وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ ما من يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة ] وفي رواية الترمذي [ ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ]
وفي صحيح مسلم عن الأغر أبي مسلم قال : أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال [ لا يقعد قوم يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده ] وفي الترمذي عن عبد الله بن بشر أن رجلا قال : يا رسول الله إن أبواب الخير كثيرة ولا أستطيع القيام بكلها فأخبرني بما شئت أتشبث به ولا تكثر علي فأنسى وفي رواية : أن شرائع الإسلام قد كثرت علي وأنا كبرت فأخبرني بشئ أتشبث به قال [ لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى ] وفي الترمذي أيضا [ عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل : أي العباد أفضل وأرفع درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال الذاكرون الله كثيرا قيل : يا رسول الله ومن الغازي في سبل الله ؟ قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى يتكسر ويختصب دما كان الذاكر لله تعالى أفضل منه درجة ]
وفي صحيح البخاري عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال [ مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ] وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذرعا وإن تقرب إلي ذرعا تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ] وفي الترمذي عن أنس [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا : يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال حلق الذكر ]
وفي الترمذي أيضا عن النبي صلى الله عليه و سلم عن الله عز و جل أنه يقول [ إن عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه ] وهذا الحديث هو فصل الخطاب والتفصيل بين الذاكر والمجاهد فإن الذاكر المجاهد أفضل من الذاكر بلا جهاد والمجاهد الغافل والذاكر بلا جهاد أفضل من المجاهد الغافل عن الله تعالى فأفضل الذاكرين المجاهدون وأفضل المجاهدين الذاكرون